الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال محيي الدين الدرويش: (61) سورة الصّفّ مدنيّة وآياتها أربع عشرة.بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.[سورة الصف: الآيات 1- 4] {سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقولونَ ما لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقولوا ما لا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (4)}.اللغة: (مَقْتًا) قال في الأساس: مقته مقتا وهو بغض عن أمر قبيح وفيه قيل لنكاح الرجل رابّته: نكاح المقت {إنه كان فاحشة ومقتا} ومقت إلى الناس مقاتة نحو بغض بغاضة وهو ممقوت ومقيت.{مَرْصُوصٌ} ملزق بعضه على بعض كأنما بني بالرصاص وقيل المرصوص: المتلاحم الأجزاء المستوية وقيل: المعقود بالرصاص وقيل المتضام من تراصّ الأسنان وفي المصباح: والرص اتصال بعض البناء بالبعض واستحكامه وبابه ردّ. ومن غريب أمر الراء والصاد إذا وقعتا فاء وعينا للكلمة دلّتا على معنى التضام والاستحكام، والتهيؤ للأمر، تقول: رصدته وارتصدته وترصدته: قعدت له على طريقه أترقبه وتراصد الرجلان قال ذو الرمة:وسبع رصيد: يرصد ليثب وأنا لك بالمرصد والمرصاد أي لا تفوتني، وقد أرصدت هذا الجيش للقتال وهذا الفرس للطراد وهذا المال لأداء الحقوق إذا أعددته لذلك وجعلته بسبيل منه، ورصع التاج: حلّاه بكواكب الحلية ورصّع الطائر عشه بالقضبان والريش قارب بعضه من بعض ونسجه وأسنانه مرتصعة مرتصّة وتراصع العصفوران: تسافدا وراصع الطائر أنثاه، ورصف الحجارة ورصّفها وجرى الماء على الرّصف والرّصاف وهي الصخر المرصوف وتراصفوا في الصلاة والقتال وتقول: تراصفوا ثم تقاصفوا ورصف إحدى قدميه إلى الأخرى ضمّها وتراصفت أسنانه تراصفا وهو تنضّدها ومن المجاز: امرأة رصوف ضيقة الهن ورجل رصيف محكم العمل ويقال: أجاب بجواب مترّص حصيف، بين رصيف، ليس بسخيف ولا خفيف، ورصن البناء وغيره رصانة فهو رصين ومن المجاز له رأي رصين، وكلام متين رصين. .الإعراب: {سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} تقدم إعراب هذه الآية في مستهل سورة الحشر فجدد به عهدا.{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقولونَ ما لا تَفْعَلُونَ} {لم} اللام حرف جر وما اسم استفهام يفيد الإنكار والتوبيخ وقد تقدم أن حرف الجر إذا دخل على ما الاستفهامية حذف ألفها نحو بم وفيم ومم وإلام وعلام وعمّ وحتام وإنما حذفت الألف لأن ما وحرف الجر يشبهان الشيء الواحد وقد وقع استعمالها كثيرا في كلام المستفهم محذوفة الألف وجاء استعمال الأصل قليلا، والجار والمجرور متعلقان بتقولون و{تقولون} فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل و{ما} مفعول به و{لا} نافية وجملة {تفعلون} صلة {ما}.{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقولوا ما لا تَفْعَلُونَ} {كبر} فعل ماض أي عظم و{مقتا} تمييز محوّل عن الفاعل و{عند اللّه} الظرف متعلق بمحذوف صفة لمقتا أو حال و{أن تقولوا} مصدر مؤول في محل رفع فاعل {كبر} والأصل كبر مقت قولهم أي المقت المترتب على قولهم ما لا يفعلون ويجوز أن يكون {كبر} من باب نعم وبئس فيكون الفاعل ضميرا مستترا مفسّرا بالتمييز النكرة، و{أن تقولوا} مبتدأ خبره الجملة قبله لأنه المخصوص بالذم وقد تقدم بحث ذلك كله، وسيأتي المزيد من بحث هذا التركيب في باب البلاغة..البلاغة: 1- في قوله {كبر مقتا} عجب بغير صيغة التعجب لتعظيم الأمر في قلوب السامعين لأن التعجب لا يكون إلا من شيء خارق للعادة والنظائر.2- أسند إلى أن تقولوا ونصب مقتا على تفسيره للدلالة على أن قولهم ما لا يفعلون مقت خالص لا مشوب فيه.3- اختيار لفظ المقت لأنه أشد البغض وأبلغه حتى قيل نكاح المقت كما تقدم في باب اللغة.4- ثم لم يقتصر على أن جعل البغض كبيرا حتى جعله أشدّه وأفحشه وقوله عند اللّه أبلغ من ذلك لأنه إذ ثبت كبر مقته عند اللّه فقد تم كبره وشدّته وانجابت عنه الشكوك.5- التكرار لقوله ما لا تفعلون وهو لفظ واحد في كلام واحد، ومن فوائد التكرار التهويل والإعظام وإلا فقد كان الكلام مستقلا لو قيل كبر مقتا عند اللّه ذلك فما إعادته إلا لمكان هذه الفائدة.2- اندراج الخاص بالعام، وقد ورد النهي العام عن القول غير المؤيد بالفعل والمقصود اندراج الأمر الخاص الذي ورد عقب ذلك وهو قوله: {إن اللّه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفّا كأنهم بنيان مرصوص} وفي ذكره ذلك عقب النهي العام مباشرة دليل على أن المقت قد تعلق بقول الذين وعدوا الثبات في قتال الكفار فلم يفوا كما تقول للمقترف جرما بعينه لا تفعل ما يلصق العار بك ولا تشاتم زيدا وفائدة مثل هذا النظم النهي عن الشيء الواحد مرتين مندرجا في العموم ومفردا بالخصوص وهو أولى من النهي عنه على الخصوص مرتين فإن ذلك معدود في خير التكرار وهذا لا يتكرر مع ما في التعميم من التعظيم والتهويل..[سورة الصف: الآيات 5- 6] {وَإِذْ قال مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (5) وَإِذْ قال عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)}.الإعراب: {وَإِذْ قال مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} كلام مستأنف مسوق لتسلية نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم وتوطينه على الصبر. {وإذ} مفعول لفعل محذوف تقديره اذكر وجملة {قال} في محل جر بإضافة الظرف إليها و{موسى} فاعل و{لقومه} متعلقان بقال، و{لم} اللام حرف جر وما اسم استفهام في محل جر باللام وقد تقدم السر في حذف الألف من ما الاستفهامية إذا سبقها حرف جر و{تؤذونني} فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون والواو فاعل والنون للوقاية والياء مفعول به والواو حالية و{قد} حرف تحقيق وإن دخلت على المضارع وإنما عبّر بالمضارع للدلالة على استصحاب الحال و{تعلمون} فعل مضارع مرفوع والواو فاعل و{أني رسول اللّه} أن واسمها وخبرها وأن وما في حيّزها سدّت مسدّ مفعولي {تعلمون} و{إليكم} متعلقان برسول وجملة {وقد تعلمون} إلخ في محل نصب حال. والمعنى أن من عظّم اللّه عظّم رسوله.{فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ} الفاء عاطفة ولما رابطة أو حينية و{زاغوا} فعل وفاعل وجملة {أزاغ اللّه قلوبهم} لا محل لها و{اللّه} مبتدأ وجملة {لا يهدي القوم الظالمين} خبر.{وَإِذْ قال عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} الظرف مفعول بفعل محذوف تقديره اذكر وجملة {قال} في محل جر بإضافة الظرف إليها و{عيسى} فاعل و{ابن مريم} بدل من {عيسى} و{يا بني إسرائيل} منادى مضاف، ولم يقل يا قوم لأنه لا يمتّ إليهم بنسبة ما دام ليس له أب لأن النسب لا يكون إلا من جهته وإن كانت أمه مريم من أشرفهم نسبا، وإن واسمها و{رسول اللّه إليكم} خبرها والجملة مقول القول.{مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} {مصدّقا} حال من الضمير المستكن في {رسول اللّه} لتأويله بمرسل و{لما} متعلقان بمصدقا والظرف متعلق بمحذوف لا محل له لأنه صلة الموصول و{يدي} مضاف لبين وعلامة جره الياء لأنه مثنى {ومبشّرا} عطف على {مصدّقا} فهو حال مثله و{برسول} متعلقان بمبشّرا وجملة {يأتي} صفة لرسول و{من بعدي} متعلقان بيأتي و{اسمه} مبتدأ و{أحمد} خبره والجملة صفة ثانية.{فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ} الفاء استئنافية ولما رابطة أو حينية و{جاءهم} فعل ماض وفاعل مستتر ومفعول به و{بالبيّنات} متعلقان بجاءهم وجملة {قالوا} لا محل لها وجملة {هذا سحر مبين} من المبتدأ والخبر في محل نصب مقول قولهم..الفوائد: أهل العربية يقولون أن {قد} تصحب الماضي لتقريبه من الحال ومنه قول المؤذّن قد قامت الصلاة وتشتمل المصاحبة للماضي أيضا على معنى التوقع فلذلك قال سيبويه قد فعل جواب لما يفعل وقال الخليل هذا الخبر لقوم ينتظرونه وأما مع المضارع فإنها تفيد التقليل مثل ربما كقولهم إن الكذوب قد يصدق، فإذا كان معناها مع المضارع التقليل وقد دخلت في الآية على مضارع فالوجه أن يكون هذا من الكلام الذي يقصدون به الإفراط فيما ينعكس عنه، وتكون {قد} في هذا المعنى نظير ربما في قوله: {ربما يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين} فإنها في هذا الموضع أبلغ من كم في التكثير فلما أوردت ربما في التكثير على عكس معناه الأصلي في التقليل فكذلك إيراد {قد} هاهنا لتكثير علمهم أي تحقيق تأكيده على عكس معناها الأصلي في التقليل..[سورة الصف: الآيات 7- 13] {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)}.الإعراب: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ} الواو استئنافية و{من} اسم استفهام معناه النفي أي لا أحد في محل رفع مبتدأ و{أظلم} خبر و{ممّن} متعلقان بأظلم وجملة {افترى} صلة لا محل لها و{على اللّه} متعلقان بافترى و{الكذب} مفعول به، {وهو}: الواو للحال و{هو} مبتدأ وجملة {يدعى} خبر هو والجملة في محل نصب على الحال أي يدعوه ربه على لسان نبيّه إلى الإسلام الذي فيه سعادة الدارين فيجعل مكان إجابته افتراء الكذب على اللّه و{يدعى} فعل مضارع مبني للمجهول و{إلى اللّه} متعلقان بيدعى.{وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} {اللّه} مبتدأ وجملة {لا يهدي} خبر والقوم مفعول به و{الظالمين} نعت للقوم.{يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ}{يريدون} فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل، و{ليطفئوا}: ذكر المعربون في هذه اللام أوجها أقواها ثلاثة:1- أنها مزيدة في مفعول الإرادة قال الزمخشري: أصله يريدون أن يطفئوا كما جاء في سورة براءة وكأن هذه اللام زيدت مع فعل الإرادة توكيدا له لما فيها من معنى الإرادة في قولك جئتك لإكرامك كما زيدت اللام في لا أبا لك تأكيدا لمعنى الإضافة في لا أباك. وقال ابن عطية مؤيدا هذا الرأي: واللام في {ليطفئوا} لام مؤكدة دخلت على المفعول لأن التقدير يريدون أن يطفئوا.2- أنها لام التعليل والمفعول محذوف أي يريدون إبطال القرآن أو رفع الإسلام أو هلاك الرسول ليطفئوا.3- أنها بمعنى أن الناصبة وأنها ناصبة للفعل بنفسها، قال الفرّاء: العرب تجعل لام كي في موضع أن في أراد وأمر وإليه ذهب الكسائي أيضا.وعبارة أبي حيان بعد أن أورد قول الزمخشري وابن عطية الآنفي الذكر قال: وما ذكره ابن عطية من أن هذه اللام أكثر ما تلزم المفعول إذا تقدم ليس بأكثر بل الأكثر زيدا ضربت من لزيد ضربت وأما قولهما: إن اللام للتأكيد وأن التقدير أن يطفئوا فالإطفاء مفعول يريدون فليس بمذهب سيبويه والجمهور.{وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ} الواو للحال و{اللّه} مبتدأ و{متمّ} خبر و{نوره} مضاف إليه والجملة حالية من فاعل {يريدون} أو يطفئوا والواو للحال أيضا و{لو} شرطية و{كره الكافرون} فعل وفاعل والجملة حالية من الحالية المتقدمة فهي متداخلة وجواب {لو} محذوف والتقدير: أتمّه وأظهره.{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} {هو} مبتدأ و{الذي} خبره وجملة {أرسل} صلة و{رسوله} مفعول به و{بالهدى} متعلقان بأرسل أو بمحذوف حال {ودين الحق} عطف على {الهدى} واللام للتعليل ويظهره فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام والهاء مفعول به والجار والمجرور متعلقان بأرسل و{على الدين} متعلقان بيظهره و{كله} تأكيد وجملة {ولو كره المشركون} حال ومفعول {كره} محذوف أي إظهاره وجواب {لو} محذوف أيضا والتقدير أظهره.{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ} {هل} حرف استفهام معناه الإخبار والإيجاب أي سأدلّكم وإنما أورده في صيغة الاستفهام تشويقا وإلهابا للرغبة، و{أدلكم} فعل مضارع مرفوع وفاعله مستتر تقديره أنا والكاف مفعول به و{على تجارة} متعلقان بأدلكم وجملة {تنجيكم} صفة لتجارة و{من عذاب} متعلقان بتنجيكم و{أليم} صفة لعذاب، وسيأتي حديث نزولها الممتنع في باب الفوائد.{تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} الجملة خبر لمبتدأ محذوف أي هي تؤمنون أو مستأنفة في جواب سؤال مقدّر كأنه قيل ما هي التجارة؟ و{تؤمنون} فعل مضارع مرفوع ولكنه بمعنى الأمر ويدل عليه قراءة عبد اللّه بن مسعود {آمنوا باللّه ورسوله وجاهدوا}، وفائدة العدول عن الأمر إلى الإخبار الإشعار بوجوب الامتثال وكأنهم امتثلوا فهو يخبر عن إيمان وجهاد موجودين، و{باللّه} متعلقان بتؤمنون {ورسوله} عطف على {باللّه} {وتجاهدون} عطف على {تؤمنون} و{في سبيل اللّه} متعلقان بتجاهدون أو بمحذوف حال و{بأموالكم} متعلقان بتجاهدون {و أنفسكم} عطف على أموالكم.{ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} {ذلكم} مبتدأ و{خير} خبر و{لكم} متعلقان بخير و{إن} شرطية و{كنتم} فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط وجملة {تعلمون} خبر {كنتم} وجواب الشرطية محذوف تقديره فافعلوه وحذف مفعول {تعلمون} اختصارا للعلم به أي أنه خير لكم.{يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} {يغفر} فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب المفهوم من قوله: {تؤمنون} كما تقدم وقيل جواب شرط مقدّر أي إن تفعلوه يغفر وعبارة أبي البقاء: {يغفر لكم} في جزمه وجهان أحدهما هو جواب شرط محذوف دلّ عليه الكلام تقديره إن تؤمنوا يغفر لكم وتؤمنون بمعنى آمنوا والثاني هو جواب لما دلّ عليه الاستفهام والمعنى هل تقبلون إن دللتكم، وقال الفرّاء هو جواب الاستفهام على اللفظ وفيه بعد لأن دلالته إياهم لا توجب المغفرة.وعبارة الزمخشري: فإن قلت هل لقول الفرّاء أنه جواب هل أدلكم وجه؟ قلت وجهه أن متعلق الدلالة هو التجارة والتجارة مفسّرة بالإيمان والجهاد فكأنه قيل: هل تتجرون بالإيمان والجهاد يغفر لكم. وتعقبه ابن المنير فقال: إنما وجه إعراب الفرّاء بما ذكر لأنه لو جعله جوابا لقوله هل أدلكم فإنكم إن أدلكم على كذا وكذا أغفر لكم فتكون المغفرة حينئذ مترتبة على مجرد دلالته إياهم على الخير وليس كذلك إنما تترتب المغفرة على فعلهم لما دلّهم عليه لا على نفس الدلالة فليس أوّل هل أدلكم على تجارة بتأويل هل تتجرون بالإيمان والجهاد حتى تكون المغفرة مترتبة على فعل الإيمان والجهاد لا على الدلالة وهذا التأويل غير محتاج إليه فإن حاصل الكلام إذا صار إلى هل أدلكم أغفر لكم التحق ذلك بأمثال قوله تعالى: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة} فإنه رتب فعل الصلاة على الأمر بها حتى كأنه قال فإنك إن تقل لهم أقيموا يقيموها.{وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} {ويدخلكم} عطف على {يغفر} والكاف مفعول به و{جنات} مفعول به ثان على السعة وجملة {تجري} نعت لجنات و{من تحتها} متعلقان بتجري و{الأنهار} فاعل.(وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) {ومساكن} عطف على {جنات} و{طيبة} نعت لمساكن و{في جنات عدن} نعت ثان.{ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} {ذلك} مبتدأ والإشارة إلى المغفرة وإدخال الجنات و{الفوز} خبر و{العظيم} نعت للفوز.{وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} الواو حرف عطف و{أخرى} مبتدأ مؤخر وخبره المقدم محذوف أي لكم نعمة أو مثوبة أخرى ويجوز أن يكون منصوبا على إضمار فعل تقديره ويمنحكم أخرى وجملة {تحبونها} صفة لأخرى أو منصوبا بفعل مضمر يفسره {تحبونها} فيكون من باب الاشتغال وحينئذ لا تكون جملة {تحبونها} صفة لأنها مفسّرة للعامل قبل {أخرى} {ونصر} خبر لمبتدأ محذوف أي تلك النعمة الأخرى نصر من اللّه أو بدل من {أخرى} إذا أعربته مبتدأ و{من اللّه} نعت لنصر {وفتح} عطف على {نصر} و{قريب} نعت، {وبشّر} الواو عاطفة و{بشّر} فعل أمر وهو معطوف على {تؤمنون} لأنه في معنى الأمر كما تقدم.
|